من أحرم بملابسه لحاجة:
إذا
أحرم الحاج بملابسه لداعي الحاجة إلى ذلك بسبب برد ومرض ونحو ذلك فهو
مأذون له في ذلك شرعاً، والواجب عليه بالنسبة إلى لبس المخيط صيام ثلاثة
أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أو ذبح شاة
تجزئ أضحية، وكذلك الحكم إذا غطى رأسه، ويجزئه الصيام في كل مكان، أما
الإطعام والشاة فإن محلها الحرم المكي[9]. والدليل قوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) البقرة 196
وقد جاء في سؤال وجه للجنة الدائمة للإفتاء بالملكة يقول السؤال: "أنا
جندي في الدفاع المدني وأحضر كل عام في موسم الحج في منى وعرفة، ثم في منى
أيضاً، ولكن علي اللباس الرسمي العسكري، ولم أتجرد من المخيط، فهل يحصل
لي حج إذا نويت الحج وأنا باللباس العسكري ولم أتجرد من المخيط أسوة
بالحجاج؟ لأن طبيعة عملي تتطلب الالتزام باللباس العسكري. أفيدونا جزاكم
الله خيراً".
فكان الجواب كالتالي: "لا حرج أن تحج في لباسك العسكري وأنت مكلف بأعمال
الحج كما ذكر في السؤال، ولا تستطيع أداء العمل بلباس الإحرام؛ لأن الجهة
المختصة لا تسمح بذلك، وعليك بسبب ذلك الكفارة، وهي: إطعام ستة مساكين لكل
مسكين نصف صاع من تمر أو أرز وغيرها من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام،
أو ذبح شاة عن لبس المخيط، وعليك مثل ذلك عن تغطية الرأس.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"[10].
ثياب الإحرام (بم يكون الإحرام؟)
يكون
الإحرام في إزار ورداء أبيضين نظيفين، والأفضل أن يكونا أبيضين ولا يشترط
ذلك، فأما دليل الإزار والرداء، فقوله صلى الله عليه وسلم: (وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)[11]..
وأما الأبيض فلأنه خير الثياب وأفضلها، قال صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم)[12].
ويستحب أن يكونا نظيفين جديدين ولا يشترط ذلك فيجوز الإحرام بإزار ورداء
ليسا جديدين ولا أبيضين، وكونهما نظيفان؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال) (رواه مسلم(131).
فالأفضل
في حق الرجل أن يحرم في إزار ورداء أبيضين نظيفين، يقول شيخ الإسلام:
"ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهما أفضل، ويجوز أن
يحرم في إزار ورداء مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة، ولو أحرم في
غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه، ويجوز أن يحرم في الأبيضين وغيره من
الألوان الجائزة، وإن كان ملوناً"[13]. وقال بن قدامه: "ولو لبس إزاراً موصلاً أو أتشح بثوب مخيط كان جائزاً"[14].
هل للإحرام صلاة تخصه؟
الأصح أنه ليس للإحرام, صلاة تخصه, وهو قول شيخ الإسلام[15]،
ودليله أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين؛
وأما حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل بالحج والعمرة
حين صلى الظهر"[16].
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر"[17]. وحديث أنس السابق ضعيف، وعلى فرض صحته فإنه يحتمل لأنه صادف ذلك وقت صلاة الظهر، ولم يقصد بذلك الصلاة لأجل الإحرام، والله أعلم.
وقد سئل العلامة ابن عثيمين: "هل للإحرام صلاة تخصه؟".
فأجاب:
"ليس للإحرام صلاة تخصه، لكن إذا وصل الإنسان إلى الميقات، وهو قريب من
وقت الفريضة فالأفضل أن يؤجل الإحرام حتى يصلي الفريضة ثم يحرم، أما إذا
وصل إلى الميقات في غير وقت فريضة فإنه كما هو معلوم يغتسل كما يغتسل من
الجنابة، ويتطيب، ويلبس ثياب الإحرام، ثم إن أراد أن يصلي صلاة الضحى فيما
إذا كان في وقت الضحى، أو أن يصلى سنة الوضوء فيما إذا لم يكن وقت الضحى
وأحرم بعد ذلك فحسن، وأما أن يكون هناك صلاة خاصة للإحرام فإن ذلك لم يرد
عن النبي صلى الله عليه وسلم"[18].
لكن من أحرم من ذي الحليفة سُنَّ له أن يصلي ركعتين؛ لحديث عمر رضي الله
عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق، يقول: (أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجة) (أخرجه البخاري (1534).
وظاهر
هذا أن هذه الصلاة خاصة بهذا المكان، لبركته، لا لخصوص الإحرام، فإنه
يحتمل أن المراد صلاة الفريضة لا صلاة ركعتي الإحرام، ويحتمل أن المراد
الصلاة لأجل الإحرام، لكن لا يثبت هذا الحكم في المواقيت الأخرى[19].
تنبيه:
هنا
تنبيه لابد منه, وهو أن كثيرا من الحجاج يظنون أنه لابد أن يكون الإحرام
من المسجد المبني في الميقات, فتجدهم يهرعون إليه رجالاً ونساء, ويزدحمون
فيه, وربما يخلعون ثيابهم ويلبسون ثياب الإحرام فيه, وهذا لا أصل له,
والمطلوب من المسلم أن يحرم من الميقات, في أي بقعة منه, لا في محل معين,
بل يحرم حيث تيسر له, وما هو أرفق به وبمن معه, وفيما هو أستر له وأبعد عن
مزاحمة الناس, وهذه المساجد التي في المواقيت لم تكن موجودة على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم, ولم تبن لأجل الإحرام منها, وإنما بنيت لإقامة
الصلاة فيها ممن هو ساكن حولها, هذا ما أردنا التنبيه عليه[20].
إحرام المرأة وما يلزمها:
إذا كان الحاج امرأة فإنه يستحب لها الاغتسال والإحرام، حتى ولو كانت حائضاً أو نفساء، إلا أنها لا تطوف بالبيت مدة حيضها ونفاسها.
ولا يشترط لها نوع خاص من الثياب.
ويجوز أن تحرم فيما شاءت من ثوب أسود أو أخضر أو أي لون آخر.
وتنوي الإحرام على التفصيل المتقدم في إحرام الرجل.
وعلى المرأة المسلمة مراعاة الآتي:
1- أن لا تتشبّه بالرجال في لباسها.
2- يجب أن يكون لباسها ساتراً.
3- ألا تظهر عورتها وزينتها للرجال الأجانب.
4- أن لا تتطيب وتخرج بين الرجال.
5- ألا تلبس البرقع ولا النقاب ولا القفازين ولا الخلاخل[21].
الاشتراط عند الإحرام وكيفيته:
الاشتراط في الإحرام أن يقول مريد الإحرام: "اللهم إني أريد الحج، أو
العمرة، أو الحج والعمرة معا، ومحلي حيث تحبسني"، وممن قال بالاشتراط
الحنابلة والشافعية والظاهرية.
وقال
الحافظ ابن حجر: "صح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن
مسعود وعائشة وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، وَلَمْ يَصِحّ إِنْكَاره عَنْ
أَحَد مِنْ الصَّحَابَة إِلَّا عَنْ اِبْن عُمَر، وَوَافَقَهُ جَمَاعَة
مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة"[22].
وذهب شيخ الإسلام إلى أن ذلك لمن كان خائفاً من حصول مانع يمنعه عن إتمام
النسك مثل ذهاب مال ونحوه. فيقول : اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني
فإذا قال ذلك، واشترط، أن له أن يفك إحرامه إن وجد مانعا من إتمام العمرة
أو الحج، فإنه إذا عرض له مانع مثل المرض، أو الحبس، أو نفاد النفقة، أو
وجود عدو، أو قطع طريق إلخ.. فإنه يستفيد من الاشتراط فائدتين:
الأولى: أنه إذا عاقه عائق فإن له أن يتحلل.
الثانية: أنه متى حل بذلك فلا دم عليه ولا صوم.
وهذا الاشتراط قال به جماعة من الصحابة، وجماعة من التابعين، وإليه ذهب
أحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال الشافعي: لو ثبت حديث عائشة في الاستثناء لم
أعده إلى غيره.
وقد ثبت الحديث المذكور كما ثبت غيره، ولا مقال لأحد بعد ثبوت الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحب الاشتراط لمن يخاف عدم القدرة على
إتمام النسك، للأدلة التالية:
عن
ابن عباس رضي الله عنهما أن ضباعة بنت الزبير (بن عبد المطلب) قالت: يا
رسول الله، إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل؟ فقال:
أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني، قال فأدركت[23].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله ما أجدني إلا
وجعة، فقال لها: (حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني). (رواه البخاري(4699) ومسلم(2101).
هذا والاشتراط جائز عند القائلين به سواء أكان المشترط مفردا، أو متمتعا، أو قارنا.
وأصل الاشتراط أن يكون منطوقا وملفوظا به عند الإحرام، فإن نوى الاشتراط
ولم يتلفظ به فهناك احتمال أن يصح ذلك، واحتمال آخر بأن الاشتراط لا يصح،
والإحرام صحيح.
الإطلاق والتعيين في الإحرام:
سبق أن ذكرنا أن الذي يريد الإحرام له أن يحرم: بالحج، أو بالعمرة، أو
بهما معا، وهذا يسمى التعيين في الإحرام، وهو مستحب عند مالك وأحمد وأحد
قولي الشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عين عند إحرامه، وأرشد
الصحابة إلى التعيين.
أما الإطلاق فمعناه أن ينوي أن يصير محرماً صالحاً لأداء النسك، سواء أكان
حجاً ذلك النسك، أو عمرة، أو هما معا، وهو جائز وينعقد به الإحرام
صحيحاً؛ لأن الإحرام يصح مع الإبهام -وسيأتي الحديث عن هذه المسألة- فيصح
عن باب أولى مع الإطلاق، وبعد أن يحرم إحراماً مطلقاً يصير مخيراً في أن
يصرف الإحرام بعد ذلك إلى أي نسك من الأنساك الثلاثة، قبل البدء في أي عمل
آخر من أعمالها، فله أن يصيره إلى العمرة، أو الحج، أو القران، والأولى
إن كان في أشهر الحج صرفه إلى العمرة؛ لأن التمتع أفضل، وإن بدأ في عمل
كالطواف بدون تعيين، فإنه لا يعتد به إلا بعد التعيين.